أثناء العقد الأخير، نجحت شبكةٌ من المنظمات المؤيدة لإسرائيل، والتي لا تجمع بينها علاقات متينة، (تشمل عدداً من منظمات الأبحاث والسياسة والجامعات وجماعات الضغط والمؤسسات والباحثين والناشطين والواهبين أيضاً) بالعثور على موطئ قدم في البيئة الأكاديمية الصينية. كان هدف هذه الجماعات في الصين هو تأمين منصة لتبني مشروع (هازبرا)، وهي كلمة عبرية تعني الشرح، أي استخدام الوسائط الدبلوماسية والإعلامية والسياسية لتوضيح مواقف إسرائيل وأفعالها والدفاع عنها، من أجل إعادة صياغة التصورات الأكاديمية الصينية حول الدولة اليهودية. إن المنطق الذي ينطوي عليه الأمر هو أن هذا سيؤثر في النهاية (واضعين في حسباننا الفرضيات السائدة عن اعتماد حكومة الصين على رأي الباحثين والخبراء) في حسابات صانعي السياسة الصينيين، ودفعهم إلى مواقف تفضي أكثر إلى الحفاظ على مصالح إسرائيل على المدى الطويل ومنحها أولوية.
يجب أن يُميَّز شكْلُ التأييد هذا عن نظيره الذي ترعاه الدولة لأنه نسبياً غير منظم (رغم أن هذا يتغير بسرعة)، ويركز أكثر على انخراط أكاديمي متواضع، تحفّزه بشكل كبير جهود الواهبين والمنظمات الأميركية اليهودية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك، رغم هذه الفروق، درجة عالية من التقاطع بين هذين الشكلين من الدعم، وخاصة من زاوية موضوعات رسالتهما وأساليبهما بما أن كليهما يعززان مثلاً فكرة إسرائيل “كأمة ناهضة” أو كتجسيد لحضارة قديمة احتضنت بنجاح الحداثة التكنولوجية. ومن غير المفاجئ بالتالي أن الدولة الإسرائيلية تدعم أنشطة الشتات الأميركي اليهودي في الصين وتديرها من خلال أجهزتها الدبلوماسية بشكل رئيسي وأيضاً عبْر منظمات مرتبطة بالدولة ومؤسسات أبحاث وسياسة.
يمكن أن يُعزى بزوغ ظاهرة التأييد هذه في الصين إلى ثلاثة تطورات مهمة. يتعلق الأول بظهور حملة دعم مؤيدة لإسرائيل أكثر تماسكاً تستهدف الجامعات والأكاديميات في الولايات المتحدة. حفّز هذا الاتجاه بشكل أكبر إدراك متنام منذ أواخر التسعينيات بين المنظمات الأميركية اليهودية بأن إسرائيل تعاني بشكل متزايد من “مشكلة صورة” داخل الولايات المتحدة، وخاصة بعد مواجهات رئيسية كمثل الانتفاضة الثانية (٢٠٠١)، والحرب في لبنان (٢٠٠٦)، والحروب المتعاقبة في غزة (٢٠٠٩، ٢٠١٢، ٢٠١٤).
إنّ ما عكس هذا الاتجاه القلق هو “الانتقال” المفترض في السرديات الراسخة داخل الأكاديميات والجامعات الأميركية نحو مواقف أكثر تأييداً للفلسطينيين، كما تجسّد هذا مؤخّراً جداً في تصاعد حملات التأييد لـ “الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها” بين مجموعات أكاديمية مختلفة وانتشار جماعات “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” في أنحاءالبلاد (والبروز الكبير لمناسبات “أسبوع الفصل العنصري في إسرائيل، إلخ). ورأت شخصيات معينة في الجماعة الأميركية اليهودية، كمثل ميتشيل براد (مدير المكتبة الافتراضية اليهودية)، أن هذا “التحول المعادي لإسرائيل” في الخلفيات الأكاديمية هو نتاج فترة طويلة من “تسييس دراسة الشرق الأوسط على يد أساتذة استغلّوا مناصبهم كي يعززوا أجندة معادية لإسرائيل” و”يقدموا وجهات نظر عربية عن تاريخ الشرق الأوسط، ونسختهم المعقمة عادة عن الإسلام”.وغالباً ما يرتبط هذا التسييس مع تدفق المال الخليجي والعربي إلى الجامعات الأميركية الذي، يداً بيد مع النفوذ “المفسد” (كما يُزعَم) للمرحوم إدوارد سعيد، أنشأ بيئة تحظى فيها الخطابات المعادية للصهيونية (والمعادية للسامية كما هو مفترض) بالجاذبية وتزدهر.
ردت الجماعة الأميركية اليهودية الداعمة لليهود على هذا بذعر عام. ففي ٢٠٠٢، وتحت مظلة مؤسسة تشارلز ولين شوسترمان العائلية، اجتمعت ثلاث وثلاثون منظمة وجماعة يهودية رئيسية، من بينها اللجنة الأميركية اليهودية وأيباك ورابطة مكافحة التشهير والمكتبة الافتراضية اليهودية ومركز سيمون ويزنتال وهيليل، لإنشاء ائتلاف إسرائيل في الحرم الجامعي الذي تأسس، بحسب ناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، لأن “المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة عدّتْ صورة إسرائيل في المجال الأكاديمي مسألةً تمتلك أهمية استراتيجية كبرى”، وأُوكلت إليها المهمة كي “تُقيّم التصاعد المقلق في الأنشطة المعادية لإسرائيل في الجامعات في أنحاء الولايات المتحدة”، وتعمل “كهيئة محورية تنسيقية واستراتيجية لمعالجة المسائل الجامعية، وتعدّ بذكاء أجندة مسيطرة على الموقف ومؤيدة لإسرائيل في الجامعة”. إن المكوِّن الأساسي لمواجهة “التضليل الإعلامي العالمي وشيطنة إسرائيل والتاريخ الصهيوني”، يقتضي، كما قال رئيس جامعة برانديز يهودا راينهارز في “دعوة إلى الفعل”، “إنشاء مراكز لأبحاث الشرق الأوسط من الدرجة الأولى في أنحاء البلاد”، تقوم “بموازنة دراسة الشرق الأوسط في الجامعات”.
أشار “سجل التعليم العالي في ٢٠٠٥” إلى التجسّد المادي لهذا النشاط المركّز على الجامعات، قائلاً إن المحسنين الأميركيين اليهود “سعوا إلى مواجهة ما عدّوه وجهةَ نظرٍ دعائيةٍ مؤيدة للفلسطينيين في الدراسات الإسرائيلية” عبْر صرف الأموال على تعيين الأساتذة، والمراكز وبرامج دراسات إسرائيل. نتيجة لهذا تناسلت برامج دراسات إسرائيل كالفطر في أنحاء الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية، وثمة برامج موجودة الآن في جامعة كولومبيا وجامعة إيموري وجامعة جورج تاون وجامعة ماريلاند وجامعة كاليفورنيا وجامعة شيكاغو وجامعة نيويورك، وفي جامعات أخرى كثيرة. وسعتْ مؤسسة شوسترمان إلى تقديم بعض الانسجام والتنسيق لنمو وتطور برامج دراسات إسرائيل ومشاريع أخرى مرتبطة بذلك، وبصورة رئيسية عبر ائتلاف إسرائيل في الجامعات، ومركز شوسترمان للدراسات الإسرائيلة في جامعة برانديز (٢٠٠٧)، ومؤسسة إسرائيل في واشنطن العاصمة (٢٠١٢)، وكلها تقدم التوجيه والتشابك والمنح لتطوير الهيئة التدريسية للأطراف المهتمة.
يتعلّق التطور الثاني بالاهتمام المتنامي بالصين داخل إسرائيل والجماعة اليهودية الأميركية. وقد عكسَ هذا التطور الحماسُ العالمي العام حيال الفرص التي يمكن العثور عليها (في الحقل الاقتصادي)، والذي ترافق مع “صعود الصين” في التسعينيات. ويعكس أيضاً، في بعض المظاهر، إعادة تقويم الحسابات الاستراتيجية لدول كثيرة إزاء نفوذ بكين المتنامي بعد نهاية الحرب الباردة. وقد تحول هذا الحماس بسرعة، (خاصة بعد العقد الأول من الألفية الثانية) في بعض الدوائر المؤيدة لإسرائيل، إلى إدراك بأن الأسس الثقافية والدينية والسياسية للصين (أي بشكل رئيسي افتقارها لتراث معاد للسامية، وامتلاكها المفترض لثقافة تحترم وتقدر الديانة اليهودية، وتقاربها الحضاري “الشرقي” مع اليهود) تجعل منها صديقاً محتملاً وحتى حليفاً لإسرائيل والجماعة اليهودية العالمية. وما زاد من قوة هذه الحجة هو إدراك اهتمام الصين المتنامي في ما يمكن أن تقدمه إسرائيل (التكنولوجيا والأسلحة، إلخ) وبشكل أكثر أهمية، إدراك دور الصين المحتمل، أو آسيا، إذا تحدثنا بشكل أشمل، كقناة اقتصادية بديلة لإسرائيل في وقتٍ تكسب فيه الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها قوة جاذبة في الغرب. وقد عزز هذا السرد بعض الباحثين الإسرائيليين المؤثرين مثل الدكتور شالوم والد من مؤسسة السياسة العامة للشعب اليهودي(1) والرئيس السابق لمركز القدس للشؤون العامة، والعضو في مجلس إدارته. ففي بحثه حول الاستراتيجية المؤلف من 120 صفحة والذي يحمل عنوان “الصين والشعب اليهودي: حضارتان قديمتان في عصر جديد”، مثلاً، دعا المنظمات اليهودية غير الإسرائيلية (التي عدّها أقل إشكالية في السياق السياسي الصيني بسبب حساسية بكين من الإساءة للدول العربية والدوائر الإسلامية) إلى وضع أسس وإنشاء بنية تحتية في الصين تضمن في النهاية لها القدرة على التأثير في صناعة السياسة الصينية في مسائل “تتعلق بالقلق الوجودي” للشعب اليهودي وإسرائيل.
يتعلق التطور الثالث ببزوغ بنية تحتية أكاديمية محلية يهودية تركز على اللغة العبرية في الصين في أواخر الثمانينيات والتسعينيات لها روابط مع المنظمات اليهودية الأميركية. وفيما لا تزال فترة إصلاح وانفتاح الصين تعمل تحت عنوان البلاغة الثورية الماوية لدعم الفلسطينيين والقضايا العربية (ولو مع تغييرات طفيفة يمكن ملاحظتها منذ عهد هوا كوفينغ)، فُسح مجال محدود للباحثين الصينيين كي يقوموا بأبحاث حول مسائل متعلقة بالدين اليهودي والثقافة اليهودية واللغة العبرية (2)، وسُمح لهم، على نحو أكثر أهمية، بأن يصلوا إلى الجماعات الأجنبية في الخارج. ورأى المسؤولون فائدة سياسية في السماح لهذه الصلات، التي فتحت قنوات جديدة من الاتصال مع إسرائيل قبل ١٩٩٢، ومع المنظمات الأميركية المؤثرة في الخارج، وخاصة تلك التي تملك تأثيراً واضحاً في السياسة الأميركية. فضلاً عن ذلك، نُظر إلى هذه الصلات أيضاً كمفيدة لتقوية “إنتاج المعرفة” المحلية حول هذه المواضيع. ذلك أن اهتمام الباحثين الصينيين من الجيل الأول (مثل بان كوانغ، وشو شين، وانغ يي ـ شا، فو يود، زانغ كيانهونغ وتشين يي يي) بالديانة اليهودية والثقافة اليهودية يمكن أن يموضع داخل الاتجاهات الفكرية للثمانينيات، والتي اتسمت بانفتاح الصين على الغرب، وبرغبة متجددة لفحص “التراث اليهودي” الخاص في البلاد (الذي يتجسد في يهود كايفنج، الذين لجأوا إلى الصين في العشرينيات، إلخ)، وأيضاً اهتمام متنام بالمسيحية والثقافة التوارتية التي تنطوي عليها، بين أسباب أخرى.
وبسبب ندرة المادة والتمويل في الصين، ناهيك عن الحاجة إلى “تدويل” الأبحاث، كان من المحتم أن يلجأ كثير من هؤلاء الباحثين (لعب بعضهم دوراً أساسياً في إنشاء البنية التحتية الأولى للدراسات والمراكز اليهودية في البلاد، والتي تشمل مراكز للدراسات اليهودية، وجمعيات الدراسات اليهودية، والمراكز اليهودية) إلى منظمات يهودية مثل المؤسسة الصينية اليهودية، واللجنة الأميركية اليهودية ورابطة مكافحة التشهير، وإلى جماعات أميركية يهودية مختلفة، من أجل تأمين الصلات والموارد الأكاديمية والتبرعات. ونمت هذه التبادلات أضعافاً مضاعفة بعد تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين في ١٩٩٢، والتي شهدت انخراطاً أكثر بروزاً من قبل المنظمات اليهودية مع دعم حكومي أكثر تجلياً، ودعم هذه التبادلات التفاؤل الناجم عن فترة أوسلو المبكرة، التي رفعت مؤقتاً المنع عن الانخراط مع منظمات وجماعات إسرائيلية أو داعمة لإسرائيل. ويجب التشديد هنا أن كثيراً من هذه الانخراطات، في هذه المرحلة، والتي جرت عادة داخل حقل التبادل الديني والثقافي، مع بعض النقاشات الطرفية للصهيونية، تولدت عن دور الباحثين الصينيين أنفسهم. فقد أمّن شو شين مثلاً تمويلاً مهماً من الجماعة الأميركية اليهودية (من مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر ومؤسسة ذ سكيربول ومؤسسة عائلة روتشيلد، من بين أخرى كثيرة) كي يدعم مشاريعه الكثيرة في جامعة نانجينغ والتي تتسلسل من مؤسسة الدراسات اليهودية (التي سُمِّيتْ فيما بعد، في ٢٠٠٦، مؤسسة ديان وغليفورد غليزر للدراسات اليهودية)، إلى مكتبة يهودية لمضاعفة ورشات العمل للباحثين والطلاب الصينيين المهتمين بالديانة اليهودية وإسرائيل. ونشأ كثير من هذه الروابط أثناء الزيارات العديدة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل في أواخر الثمانينيات.
بدأت المنظمات الأميركية اليهودية والناشطون بإعادة إنتاج نموذج تأييدهم الأكاديمي في أنحاء الصين منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية حتى نهايته، وذلك نتيجة فهم جديد للصين ناجم عن الخطابات المتغيرة عن إسرائيل والصهيونية في الغرب، وبتسهيلٍ من بنية دراسات يهودية موجودة سابقاً، وبسبب الجو السياسي الأكثر تساهلاً في الصين في نهاية العقد. وترأست كلَّ هذا، بشكل طبيعي، مؤسسة شوسترمان في ٢٠٠٩، والتي أدارت ورشتي عمل “مستفيدةً من نموذج المؤسسة الصيفية للدراسات الإسرائيلية، وهو مشروع لمركز شوسترمان للدراسات الإسرائيلية في جامعة برانديز”، وركزت الورشتان على مسائل ثقافية إسرائيلية في جامعة بكين وجامعة شاندونغ. جذبت الورشتان عدداً لا بأس به من الخبراء في ميدان دراسات الشرق الأوسط. تبعت هذا في ٢٠١٠ ورشة لمدة أربعة أيام في جامعة جياوتونغ في شانغهاي كان الهدف منها توجيه الحضور (مجموعة من الأكاديميين وصانعي السياسة والصحفيين) إلى التاريخ والثقافة والسياسة اليهودية، وقدّمت، بشكل أكثر أهمية، فرصة لـ “تصحيح التشويه الإعلامي حول إسرائيل” مع أولئك الذين قال سانفورد ر. كاردن (رئيس مؤسسة شوسترمان) إنّ لهم “يداً مباشرة في صناعة السياسة الصينية إزاء الشرق الأوسط”.
فسحت هذه المبادرات الأولى المجال بسرعة لتأمين تأييد أكثر حيوية، وبشكل رئيسي عبر منظمة الشبكة العالمية والقيادة الأكاديمية الصينية الإسرائيلية، وهي منظمة تشكلت في ٢٠١١ للمساعدة في “إنشاء إطار أكاديمي له قاعدة عريضة يبني تحالفات طويلة الأمد بين إسرائيل والصين”. ورغم أن منظمة الشبكة العالمية والقيادة الأكاديمية الصينية الإسرائيلية بدت ظاهرياً من بنات دماغ ييل كاريس ويت، وهو إسرائيلي تخرّج من جامعة ييل، إلا أنها كانت على نحو رئيسي منتجاً فرعياً لجهود تعاونية مختلفة بذلتْها منظمات ومؤسسات الدعم اليهودية وتلقّتْ دعماً معيّناً من الحكومة الإسرائيلية.(3) وتضم المنظمة في مجلس إدارتها من الخبراء عدداً من الباحثين والمسؤولين الذين يشيرون إلى ذلك، كمثل شالوم والد وبان كوانغ وتشين يي يي والسفير الإسرائيلي إلى الصين أموس ناداي وآرون شاي من جامعة تل أبيب، بين آخرين.
إن مصادر تمويل منظمة الشبكة العالمية ليست واضحة تماماً، لكن كتيّبها الرسمي يذكر عدداً من المؤسسات الرئيسية التي من المحتمل أنها تقدم التمويل والدعم لمشاريعها في الصين، منها مؤسسة شوسترمان، ومؤسسة ديان وغيلفورد غليزر، ومؤسسة عائلة نيوتن وراشيل بيكر، ومؤسسة كلارمان. (4) إن المؤسستين الأخيرتين مهمتان على نحو خاص، كونهما انخرطتا في عدد من مشاريع التأييد المثيرة للشبهة. فقد حُدِّدتْ مؤسسة بيكر مثلاً كأحد ممولين سبعة رئيسيين لما يُدعى بـ “شبكة رهاب الإسلام” في الولايات المتحدة بحسب دراسة رسمية قام بها المركز الأميركي للتقدم. وبشكل مشابه، موّلت مؤسسة كلارمان عدداً كبيراً من جماعات التأييد كمثل مشروع داود ومشروع إسرائيل ولجنة الدقة في التغطية الإعلامية للشرق الأوسط، وتورطتْ، بحسب بعض التقارير، في دعم مستوطنات إسرائيلية غير شرعية في الضفة الغربية. إن الدعم الذي تتلقاه منظمة الشبكة العالمية والقيادة الأكاديمية الصينية الإسرائيلية من هذه المؤسسات مقترن بشبكة من الصلات بما فيه الجامعات الموجودة في إسرائيل، وجماعات دعم إسرائيلية وأميركية محافظة ومنظمات خبراء (مثل مؤسسة هدسون ومؤسسة المشروع الأميركي) وجماعات تأييد مثل مشروع لوفير ومشروع إسرائيل ومشروع التبادل الخاص باللجنة الأميركية اليهودية (5). يجب ألا يهمل المرء أيضاً الارتباطات “الإيديولوجية” مع أشخاص مثل هنري كيسنجر وبرنارد لويس وعدد كبير من مسؤولي وزارة الدفاع الإسرائيلية ورؤساء الموساد، والذين يتبنى بعضهم وجهات نظر “متشددة”، وفي حالات معينة “مؤيدة للمستوطنات” (شابتاي شافيت، إفرايم سنيه، وموشيه آرينز، إلخ).
نظراً لتمتّعها بهذا الدعم الوافر، يجب ألا نستغرب كثيراً أن جهود منظمة الشبكة العالمية في الصين قدمت في فترة زمنية قصيرة نسبياً نتائج ملحوظة. وكان العنصر الجوهري لمنظمة الشبكة العالمية كي تؤسس “إطاراً أكاديمياً” متعاطفاً مع المصالح الإسرائيلية هو تعزيز برامج دراسات إسرائيل في جامعات البلاد الرئيسية. أسست منظمة الشبكة العالمية بنجاح، بين ٢٠١١ و٢٠١٣ أكثر من ستة برامج لدراسات إسرائيل في أنحاء البلاد، وكذلك خمسة قيد التطوير، رافعة العدد الكلي إلى ١١ في صيف ٢٠١٣، وقد فعلت ذلك معتمدةً على بنية تحتية، وشبكات دراسات يهودية موجودة سابقاً، وبيئة سياسية أكثر تسامحاً، ومستثمرةً الاحتياجات المالية لأقسام الدراسات اليهودية والشرق أوسطية.(6) وأولتْ المنظمة اهتماماً خاصاً ببناء علاقات قوية مع الجامعات في بكين، والتي كان اختراقها أكثر صعوبة، لأسباب سياسية. وحين وافقت جامعة رنمين على استضافة محاضرات منظمة الشبكة العالمية لمدة عام كامل، وعبّرتْ عن اهتمامها في أن تنشئ في النهاية برنامجاً لدراسات إسرائيل في نقطة ما، كان هناك أمل بأن هذا “سيكون نموذجاً مهماً يُحتذى بالنسبة لجامعات أخرى في أنحاء البلاد ويبعث رسالة إلى القيادة الصينية بأن دراسات إسرائيل سعي أكاديمي قيّم”. إن هذه الاستراتيجية تبدو ناجحة حتى الآن، إذ إن بعض الجامعات في بكين رحّبتْ بإمكانية إنشاء برامج دراسات إسرائيل في حرمها، رغم أن جامعة بكين وجامعة تسينغهوا هما على ما يبدو المؤسستان المقصودتان بسبب تمتّعهما بالمرتبة الأولى في الأهمية في الصين.
إن تطوير برامج دراسات إسرائيل مسألة مربحة للأطراف الصينية المهتمة، ليس لأن مصادر جديدة للتمويل تأتي من المنح التدريسية التي تقدّمها المنظمات الأميركية فحسب، بل أيضاً لأن هناك موارد جديدة، وفرص تدريب، وتجارب صارت متاحة لأقسام تمويلها سيء. وتشرف منظمة الشبكة العالمية، في رعاية مشتركة مع جامعة بار إيلان وياد فاشيم، على برنامج تدريب تموّله منح شوسترمان، أو منح من مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر مثلاً، لمدة أربعة أشهر. يبدأ البرنامج بحلقة دراسيّة عن الهولوكست مدّتها ١٩ يوماً في ياد فاشيم حيث يتلقى المشاركون السرديات التاريخية اليهودية. يتبع هذا في الأشهر الثلاثة التالية صفوف مختلفة يقدمها أكاديميون إسرائيليون (عادة في جامعة بار إيلان) تغطي سلسلة واسعة من الموضوعات التي تشمل “الاستيطان اليهودي الأول أثناء فترة الانتداب إلى تطور هوية السابرا (المولودون في إسرائيل)”. في هذه الأثناء تنظم منظمة الشبكة العالمية رحلات من “النقب في الجنوب إلى الجليل في الشمال”، كي تمكّن المشاركين من “أن يعيشوا تاريخ وثقافة ومشاهد وأصوات إسرائيل”. ويُرسل بعض المشاركين إلى جامعة برانديز ويسجلون في حلقات دراسية وكورسات تتصل بكيانات مدعومة من شوسترمان كمثل مؤسسة إسرائيل. وبعد أن يكمل الباحثون الصينيون دراساتهم “يقومون برحلة لإلقاء المحاضرات في أنحاء الصين كي يشرحوا تجربتهم في إسرائيل ويشجعوا الطلاب والهيئة التدريسية في أرجاء الصين على الانخراط في دراسات إسرائيل”.
ومن أجل هدف دعم برامج دراسات إسرائيل الوليدة هذه تقدم منظمة الشبكة العالمية شبكات وصلات موسّعة، ومواد وكتباً حول موضوع إسرائيل والثقافة اليهودية تهبها وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية ومركز القدس للشؤون العامة والمؤسسة الإسرائيلية لدراسات الأمن القومي واللجنة اليهودية الأميركية، وعدد كبير أيضاً من مؤسسات أميركية يهودية. أما تقديم مواد باللغة الصينية فيندرج في إطار هذه الجهود، إذ تقوم منظمة الشبكة العالمية مثلاً بتمويل ترجمات لأبحاث باري روبن. ومن أجل الوصول إلى جمهور أوسع اختارت المنظمة نشر كثير من هذه الترجمات في سلسلة، وكذلك مقدمات لدراسات حول “إسرائيل وشعبها لتصحيح التصورات الخاطئة عبر تقديم معلومات صحيحة ومتاحة بسهولة” في موقعها على شبكة الانترنت، والتي تسميها “لغة صينية، مركز مورد أكاديمي أونلاين”. ترتب منظمة الشبكة العالمية أيضاً رحلات لإلقاء المحاضرات تشمل البلاد كلها لخبراء وباحثين إسرائيليين، أو داعمين لإسرائيل، كي يزوروا الجامعات التي فيها برامج دراسات إسرائيل بما فيه أفراد مثل صول سنغر الذي يتماشى كتابه “أمة ناهضة” مع جهود إسرائيل لتعزيز نفسها كدولة متقدمة، عالية التقانة وريادية في المشاريع؛ وهارولد رود، مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية الذي يتمتع بصلات مع حركة المحافظين الجدد وصندوق كلاريون؛ ودور غولد، رئيس مركز القدس للسياسة العامة الذي يملك صلات وثيقة مع الحكومة الإسرائيلية كما يظهر كتابه الأحدث “القتال من أجل القدس: الإسلام الراديكالي، الغرب، ومستقبل المدينة المقدسة”، وياكوف كيرشين، وهو رسام كاريكاتير في صحيفة جيروساليم بوست مشهور بسبب أعماله مع سلسلة زاي بونز، التي تعتمد على تصوير عرقي وقائم على رهاب الإسلام.
تعزّز هذه الأنشطة مؤتمرات متنوعة، تُنظَّم عادة بتنسيق مع أطراف مثل برنامج دانغور في بار إيلان (الذي تموله المؤسسة الخيرية إكسيلارش الموجودة في المملكة المتحدة)، ومدرسة لاودر التابعة لمركز الحكومة للأبحاث العالمية الاستراتيجية، والمركز العالمي لمكافحة الإرهاب، ومركز هرزليا متعدد التخصصات ووزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية، وهي تخدم أهدافاً متعددة. وتُحْضِرُ بعض هذه البرامج “أكاديميين من برامج دراسات إسرائيل مؤسسة حديثاً في أنحاء البلاد، وأساتذة جامعيين مهتمين بتأسيس أو استقصاء دراسات إسرائيل، وباحثين إسرائيليين يحاضرون في ميادين رئيسية من الدراسات التي تقدم استبصارات حول مجتمع وتاريخ وسياسة واقتصاد وثقافة وشؤون إسرائيل الخارجية ودبلوماسيتها”. إن أنشطة أخرى، مثل منتدى استراتيجية وأمن الصين وإسرائيل الذي عُقد في ٢٠١١، تجمع خبراء في السياسة ومسؤولين وقادة عسكريين سابقين صينيين مع نظرائهم الإسرائيليين لمناقشة مسائل تمتلك أهمية استراتيجية أكبر.
إن جزءاً كبيراً من الخطاب الذي يُطَوَّر في هذه المؤتمرات يدخل في “سرد القواسم المشتركة” الذي يسعى بعض الناشطين الإسرائيليين إلى نشره في الوسط الأكاديمي الصيني. يشمل هذا مثلاً التشديد على التهديد المشترك لـ“الإسلام الراديكالي”، والنزعة الانفصالية المتأصلة في السكان المسلمين للدولتين، (وهي صيغة تحاكي خطاب رافايل إسرائيلي حول الإسلام الصيني)، والمشكلات الاستراتيجية المرتبطة بالاعتماد على النفط والغاز، (وهكذا بالتالي الدور المحتمل الذي يمكن أن يلعبه البحث والتكنولوجيا الإسرائيليان في مساعدة الصين في “العثور على مصادر بديلة)، وعلى نحو أكثر أهمية، كيفية التعامل مع تحديات “السيادة” المنبعثة من الغرب (مثلاً مشاطرة الصين استراتيجيات الاحتيال على القانون الدولي كي تمنع الاستقلال التيبتي\\الإيغوري).
فضلاً عن برامج دراسات إسرائيل، سعت منظمة الشبكة العالمية إلى إجراء حوار استراتيجي يهدف إلى صقل “فهم أكثر دقة لإسرائيل والمنطقة” مع مؤسسات الأبحاث الصينية الأكثر أهمية ومع أجهزة الحكومة، وخاصة “التي تقدم التحليلات وتوصيات السياسة للحكومة والحزب”. ومنذ ٢٠١٢ رتبت منظمة الشبكة الدولية اجتماعات تُعقد كل شهرين مع أجهزة مؤثرة مثل مؤسسة الدراسات الاستراتيجية (المرتبطة بمدرسة الحزب التابعة للجنة المركزية)، والمؤسسة الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة (التي تقدم توصيات سياسة لمجلس الدولة)، والأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بين أخرى. وتقترن جهود التوعية هذه بتفاعلات موسّعة مع وسائل الإعلام الصينية، وخاصة بعد السحب الظاهر لـ “مشروع إسرائيل” من الصين في أواخر ٢٠١٢ بعد أن دعت القيادة الجديدة في الولايات المتحدة إلى تخفيض النفقات، رغم أن المشروع يحتفظ بحضور فاعل في المدونات الصينية الصغيرة.
إن النجاحات التي حققتها المنظمات المؤيدة لإسرائيل مؤثرة، وما بيّناه ليس إلا غيضاً من فيض فيما يتعلق بمدى وكثافة الانخراط الذي يجري حالياً، وخاصة حين يُقارن بجهود توعية عربية مشابهة في البلاد، والتي تقتصر بشكل كبير على مجالات تعليم اللغة العربية والدراسات الدينية. وبحسب ملاحظاتي ثمة تلق قوي للخطابات والسرديات الإسرائيلية (وبينها الكارهة للإسلام والعنصرية حول المنطقة) داخل دوائر صينية محددة أكاديمية وصانعة للسياسة ومتأثرة إلى حد كبير بمخاوف من الإرهاب داخل الصين وخارجها في آن. وما هو أكثر أهمية، إن التأثير والموارد التي تقدمها الجماعات المؤيدة لإسرائيل تهيمن بوضوح على جيل جديد من الباحثين الصينيين منخرط في دراسات الشرق الأوسط.
على أي حال، رغم هذه المكاسب، يجب أن نشير إلى أن هناك تحديات جدية تواجه جهود الدعوة إلى تأييد إسرائيل في الصين. ذلك أن البيئة الأكاديمية والسياسية الصينية، التي فيما هي منفتحة على الانخراط مع إسرائيل فإنها، نظراً لذكائها الشديد، لا تسيء إلى روابطها مع دول شرق أوسطية وإسلامية أخرى تمتلك معها علاقات اقتصادية واستراتيجية وعلاقات طاقة مهمة، هذا إذا لم نذكر أقلياتها الإسلامية التي قامت، أحياناً (بشكل جماعي وكباحثين أفراد) بتنظيم نفسها ومعارضة بعض الأنشطة المذكورة أعلاه. هناك تعاطف حقيقي عميق مع الفلسطينيين على مستوى النخبة وعلى المستوى الشعبي. فضلاً عن ذلك، ما يزال يُنظر إلى إسرائيل تقريباً في علاقة مع الولايات المتحدة، مما يفرض بدوره حدوداً خاصة به، ويثير الشبهات داخل بعض الدوائر حول نوايا وأهداف المنظمات المرتبطة بإسرائيل. علاوة على ذلك، إن البيئة السياسية التي سهّلتْ نموّ هذه الظاهرة في المقام الأول يمكن أن تتغير درامياً، سواء بسبب ذعر الحكومة من بواعث جماعات كهذه، أو كما هو مرجّح أكثر، بسبب تدهور العلاقات الصينية ـ الأميركية. وبينما من المبكر جداً الحكم حول كيف ستعاود جهود الدعم هذه تشكيل المدارك الصينية حول الشرق الأوسط، من الواضح أن التأييد في الوسط الأكاديمي صار عنصراً تكوينياً في العلاقة الصينية الإسرائيلية الناشئة التي يجب تتبعها وفحصها أكثر.
[ترجمة إلى العربية أسامة إسبر]
هوامش
[1] أسستها سنة ٢٠٠٢ الوكالة اليهودية من أجل إسرائيل كهيئة مستقلة وبيت مقاصة للحكومة الإسرائيلية يديرها مجلس مديرين ويترأسها دينيس روس.
[2] افتُتح برنامج جامعة بكين العبري سنة ١٩٨٥.
[3 ] فصّل كثيراً من هذا جون فيشيل، وهو مستشار لدى مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر، في مؤتمر دولي عقد في آذار\\مارس ٢٠١٣ حول العلاقات الصينيةـ الإسرائيلية لشبكة الممولين اليهود.
http://www.youtube.com/watch?v=c9epRI3g87w&list=PLncTodC3NosGTUrM2XrgXYYDFpal-0h7U&index=3
[4] “SIGNAL Booklet,” Sino-Israel.org. Accessed: Web. 13 July 2013 storage.sino-israel.org/files/Booklet.pdf
[5] Ibid.
[6] يجب أن يشار إلى أن برنامج دراسات إسرائيل في جامعة نانجنغ، والذي تشكل في ٢٠١٢ بعد تبرع بقيمة مليون دولار من مؤسسة، ديان وغليزر، غير متضمن.
SIGNAL projects: http://en.sino-israel.org/about/initiatives/; http://www.thejc.com/news/world-news/52356/which-country-has-10-jewish-study-centres-and-its-not-obvious; Glazer Foundation endowment one million dollar investment in Nanjing: www.nju.edu.cn/html/eng/News/27d94e28-b8b1-4a85-9bcc-7576ef2a5298.html